إخواني الأحياء، أنا : عبدالله، ولو أن اسمي لا يهم، ولا لوني ولا كوني غني أو فقير، وزير أو غفير، صغير أو كبير، -لا- في الحقيقة هذه النقطة مهمة جداً لأنها ربما كانت الثغرة القاتلة التي أوتيت منها.
نعم، كنت شاباً في العشرينات أعيش حياتي بلا حسابات، لا أخشى شيئاً، ولم لا وأنا في ريعان الشباب لا أعاني مرضاً ولا أشكو ألماً، غرني شبابي، ورغم أنني أعرف كثيراً من الشباب الذين كانوا مثلي وماتوا فجأة، إلا أنني لم أتوقف طويلاً عند ذلك لأنني لم أكن أتصور أنني التالي، أو لنقل أنني لم أكن أحب أن أتصور ذلك، لأن ذلك معناه أن أترك ما أنا فيه من ملذات.
حادثة واحدة أثرت في أكثر من غيرها، حين مات صديقي عبد الرحمن نتيجة جرعة زائدة من المخدر.
وجعلت أتخيل ونحن نضعه فى القبر ونغلق عليه ماذا سيفعل بدون محموله ولا مشغل الأقراص الخاص به، وبدون الفتيات اللاتي يواعدهن وبدون السيجارة التي لا تفارقه ؟؟؟
ولكننى سرعان ما خرجت من هذا الشعور الذى أصابني.
المهم أنا أكتب لكم بمناسبة رمضان -وما أدراكم ما رمضان- ولكن رمضان عندكم غير رمضان عندنا، رمضان بالخارج أنوار وزينات وصخب، لكننا هنا لم نشاهد نوراً منذ جئنا ولم نسمع إلا صوت الأفاعي والمعذبين.
أكتب إليكم بمناسبة رمضان وما أدراكم ما رمضان، بالله لو تعرفون ما رمضان ما فرطتم في جنبه، ولا ضيعتم ثانية واحدة منه في غير طاعة.
كلما أتذكر أنني في رمضان الماضي كنت في الدنيا أمشي وأتحرك وأفرح وأمرح، وللأسف أشرب الدخان وأواعد الفتيات... أكاد أموت –مع أنني ميت بالفعل- !
كلما أتذكر ما فعلته في رمضان الماضي من لهو ولعب وتفاهة وجلسات سيئة على الإنترنت، وشيشة مع الشلة حتى الصباح، ومسلسلات وغناء، أقول {يا ليتنى لم أتخذ فلانا خليلاً}، {يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله}، {يا ليتني قدمت لحياتي}.
كلما أتذكر هؤلاء الشباب في المسجد المجاور بوجوه تتفجر نوراً، كيف كنت أسخر منهم.. أتذكر أحدهم يدعوني : يا عبد الله، تعالى، هذه فرصة عمرك لتتقرب إلى ربك، تعالى فلن تندم.
يا لله، إن كلمة "الندم" أقل بكثير مما أنا فيه الآن.
كلما تذكرت خطبة الجمعة التي سبقت رمضان، سمعتها وأنا في الفراش، لا أستطيع القيام لأنني دخلت إلى الفراش في التاسعة صباحاً، أكاد أسمع الخطيب الآن وهو يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ويل لمن أدرك رمضان فلم يغفر له».
أكاد أسمعه وهو يقول : ربما كان رمضان هو آخر فرصة للتوبة، وآخر فرصة لتولد من جديد، وآخر فرصة لتصبح شخصاً آخر، عبداً آخر.
نعم لقد كانت آخر فرصة، كانت آخر فرصة ولكني لم أنتبه، كانت آخر فرصة ولكني لم أتحرك، كانت آخر فرصة لأودع موسيقى تافهة، ومسلسلات بالغة الانحطاط، وصحبة لم أجن من ورائها إلا التعاسة، ياااه وأي تعاسة، وأي رعب في هذا الظلام الحالك، وهذا التراب الخانق.
تشوهت محاسني، والتهمني الدود، وصرت أثراً بعد عين، أنتظر العذاب في كل لحظة.
آه لو كنت أعلم أن التهاون في الصلاة يصيرني إلى هذا المصير، وأن مصاحبة الفتيات يبلغ بي هذه النهاية.
صدقوني يا إخواني لا شيء يستحق، والله لا شيء يستحق، أفيقوا، انتبهوا فلا وقت، وربما كنت أنت التالي.
إن كنت تخاف من الظلام أو تكره الوحدة أو تتأذى من التراب فهنا آخر موضع في الكون عليك أن تأتيه.
ليلة واحدة فى القبر لا يعدلها شيء -آه- نسيت أن أحدثكم عنها، عن ضمة القبر، ياااه يا الله، شيء لا يوصف، أعيذكم بالله منها.
صدقوني أنتم في نعمة كبيرة، أنتم قوم تعملون ولا تعلمون، ونحن قوم نعلم ولا نعمل.
إخواني، العاقل من وعظ بغيره والسعيد من اعتبر.
رمضان قد يكون آخر عهدك برمضان، فاعزم أمرك واحزم متاعك وقم إلى ربك وإياك أن تلتفت.
إياك أن تفرط في شيء من هذا الشهر، فقد سمعنا هنا أن أناساً كان شهر رمضان لهم ميلاد جديد.
ياإلهي !!! ماهذا ؟؟؟ ما هذ الثعبان؟؟ لا لا لا إليك عني رباه رحماك لا لا لا....
عبد الله، عبد الله، عبد الله، قم يا بني ما دهاك، ماذا بك ياولدى ؟
أمي !! ما هذا؟؟؟ ما هذا ؟؟؟ أين أنا ؟ من أنتِ ؟ أمي ؟ يااااااه، الحمد له.
لقد كان كابوساً مرعباً، لقد كان حلماً بشعاً.
الحمد لله، أنا، أنا، أنا ما زلت حياً ويمكن أن أتوب، وأستطيع أن أصلي، الحمد لله، أقرأ القرآن وأصاحب الصالحين، الحمد لله.
متى رمضان؟؟؟ أين المسجد؟؟؟ حطمي هذه الاسطوانات، أغلقي هذه الشاشة، أخرجي علبة الدخان من الغرفة، الثعبان، الظلام، الدود، الحمد لله الحمد لله الحمد لله.
- اهدأ يا بني، فلعل الله أراد بك الخير لتفيق مما أنت فيه،
فقال: أريد جبةً من صوف، وأقراصاً من شعير وغليني وافعلي بي كما يفعل بالعبد الآبق، لعل مولاي يرى ذلي فيرحمني ففعلت به ما أراد، فكان إذا جن عليه الليل، أخذ في البكاء والعويل، ويقول لنفسه: ويحك ألك قوة على النار، كيف تعرضت لغضب الجبار، ولا يزال كذلك إلى الصباح، فقالت له أمه: يا بني ارفق بنفسك.
قال: دعيني أتعب قليلاً لعلي أستريح طويلاً، يا أماه إن لي غدا موقفاً طويلاً بين يدي رب جليل، ولا أدري أيؤمر بي إلى ظل ظليل، أو الى شر مقيل.
قالت: يا بني خذ لنفسك راحة، قال: راحتي أطلب، كأنك يا أماه غدا بالخلائق يساقون إلى الجنة، وأنا أساق إلى النار مع أهلها.
فتركته وما هو عليه، فأخذ في البكاء والعبادة وقراءة القرآن، فقرأ في بعض الليالي: {فوربك لنسألنهم أجمعين، عما كانوا يعملون}.
ففكر فيها وجعل يبكي حتى غشي عليه، فجاءت أمه إليه فنادته فلم يجبها، فقالت له: يا حبيبي وقرة عيني أين الملتقى؟
فقال بصوت ضعيف: يا أماه إن لم تجديني في عرصات القيامة، فاسألي مالكاً خازن النار عني، ثم شهق شهقة فمات رحمه الله تعالى.
فخرجت تنادي: أيها الناس، هلموا إلى الصلاة على قتيل النار، فجاء الناس من كل جانب، فلم يرى أكثر جمعاً ولا أغزر دمعاً من ذلك اليوم، فلما دفنوه نام بعض أصدقائه تلك الليلة فرآه يتبختر في الجنة، وعليه حلة خضراء وهو يقرأ الآية {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون} ويقول وعزته وجلاله سألني، ورحمني، وغفر لي، وتجاوز عني ألا أخبروا عني والدتي