جاءت عريضة أدباء الجزائر الذين يطلبون عودة مصر لمعرض الكتاب لتفتح الباب مرة أخرى للجدل واللغط الدائر حول قرار إدارة الصالون الجزائرى الدولى للكتاب بعدم السماح بعرض الكتب المصرية داخل المعرض وإصدار تعليمات لكل اتحادات الكتاب ودور النشر العربية - التى تمت دعوتها للمشاركة فى المعرض - بمنع عرض الكتب المصرية فى أى جناح عرض داخل المعرض.
منذ أيام أصدر أدباء جزائريون بيانا ضمن سلسلة بيانات يطالبون فيه بعودة مصر لمعرض الكتاب، حيث وقع عدد من المفكرين المقيمين فى الجزائر وأوروبا وأمريكا الشمالية عريضة يدعون فيها إلى رفع الحظر المفروض على الكتب المصرية. وانتقد موقعو العريضة التى اقترحها أحمد بن سعادة قرار المنع. وأوضحت العريضة أن موقعيها يرون أن مبادرة معاقبة الأدب المصرى والقراء الجزائريين الأحادية الجانب عبثية فى حين يستمر لاعبو كرة القدم بممارسة هذه الرياضة مع الفرق المصرية بعد أن تسببت فى كل هذه الفضيحة.
البيان السابق لم يكن الأول الذى يطالب برفع الحظر المفروض على الكتب المصرية، حيث صدر من قبل بيان نُشر نصه على صفحة الروائى سمير القسيمى على موقع «الفيس بوك» والذى وقع عليه الكثير من الكتاب المصريين والجزائريين «فى عصر تضاءلت فيه المسافات، وانمحت الحدود بفعل التكنولوجيا والفضاء العنكبوتى، ما زالت بعض العقليات المتحجرة تصر على مباغتتنا بتصرفات جاهلية ودعوات لمقاطعة كتب الآخر والغريب هنا أن يكون هذا الآخر هو (المصرى) أو (الجزائرى).
وأضاف البيان فى نصه: تجاهل المسئولين عن معرض الجزائر الدولى للكتاب المزمع إقامته فى الفترة من الثامن والعشرين من أكتوبر حتى السادس من نوفمبر المقبل، توجيه دعوات عن طريق وزارة الثقافة للطرف المصرى، وأصدروا تعليمات بمنع عرض أى كتب مصرية!
وقالت وقتها الصحف الجزائرية إن مفوض المعرض الدولى للكتاب إسماعيل أمازيان ــ ترددت أنباء أنه أُقيل من منصبه منذ أيام ــ برر عدم دعوة دور النشر المصرية بالردود المعادية للجزائر التى أبداها مثقفون مصريون بعد الأحداث التى وقعت حول مباراة لكرة القدم بين منتخبى البلدين للتأهل إلى كأس العالم 2010، فى 14 نوفمبر 2009 فى القاهرة.
نتيجة هذا المنع وذلك العزل أن طالب البعض بأخذ موقف من الجزائر إلا أن خبراء النشر فى مصر، وهم قلة، طالبوا بالتريث لطلبات مقاطعة الجزائر قائلين إن مسئولية حل هذه المشكلة تقع على عاتق وزارة الثقافة المصرية لا على اتحاد الناشرين أو اتحاد الكتَّاب المصريين.
وفى محاولة منا للإجابة عن سؤال: على منْ تقع مهمة حل هذه المشكلة على عاتقه؟ أجاب الدكتور صابر عرب، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن ذلك مهمة دولة الجزائر التى منعت الكتب المصرية، «فلا تقدر أن تفصل بين اتحاد الناشرين الجزائريين وبين الدولة ذاتها»، وتحديدا فى يد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة رئيس الجزائر، مؤكدا أن وزارة الثقافة المصرية لن تتصل بوزارة الثقافة الجزائرية، بل جائز أن تتصل باتحاد الناشرين الجزائريين، وأوضح عرب أن الموضوع يتلخص فى أن الصالون الجزائرى لم يوجه أى دعوة للناشرين المصريين، ورغم ذلك ستكون الجزائر من أولى الدول العربية المشاركة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب.
الغريب أن وزيرة الثقافة الجزائرية «خليدة تومى» نفت فى تصريحات خاصة لجريدة «الحوار» الجزائرية مسئوليتها عن قرار منع مشاركة دور النشر المصرية بمعرض الجزائر الدولى للكتاب خلال دورته 15، حيث أسندت تومى مسئولية قرار المنع إلى إسماعيل أمازيان رئيس المعرض، مؤكدة أنه هو وحده المسئول عن القرارات الخاصة بالمعرض، وكيفية تنظيمه وعدد دور النشر المشاركة. تصريحات خليدة تطرح سؤالا: من هو صاحب قرار المنع؟ وما الجهة التى تشرف على صالون الجزائر للكتاب؟ الإجابة تأتى من الدكتور محمد عبداللطيف، رئيس اتحاد الناشرين العرب، الذى أكد أن قرار المنع جاء من إدارة المعرض الذى يتبع وزارة الثقافة الجزائرية، موضحا أن اتحاد الناشرين العرب أجرى عدة اتصالات هاتفية مباشرة مع منظمى معرض الكتاب بالجزائر يستوضح خلالها أسباب تأخر وصول الدعوات للناشرين المصريين، إلا أنه لم يتلق أى رد حتى الآن، فى حين أن هناك عددا من الدول العربية تلقت دعوات الناشرين للمشاركة فى المعرض. وهذا أيضا ما وضحه صابر عرب فى حديثه معنا.
وفى تعليقه على البيان الأخير من الأدباء الجزائريين رحب عبداللطيف بالبيان قائلا إننا كشعوب عربية لا نتصور أن يحدث بين العرب مثل هذه المشاكل مهما حدث من خلافات بسيطة فى كرة القدم، مضيفا: «من الصعب رفض عرض الكتب المصرية أو الجزائرية؛ لأنه ببساطة سنخسر فى حالة منع أى كتاب عربى». وأشاد عبداللطيف بالبيان الذى يتقارب فى وجهة نظره مع موقف اتحاد الناشرين الجزائريين. وأشار إلى متى نهمل من قاموسنا الثقافى العربى كلمات مثل المنع والحجر والعزل.
فى حين رأى عرب أن البيان الأخير ينم عن دور مسئول لهؤلاء المفكرين، إذ لا يصح المنع أو العزل ومعاقبة الجمهور الجزائرى من الاطلاع على الكتب المصرية. لكنه ذكر أن موقف الجزائر موقف انفعالى. والنتيجة فى النهاية عدم تمثيل الكتاب المصرى بصالون الجزائر للكتاب.
أما الناشر التونسى النورى عبيد عضو مجلس إدارة اتحاد الناشرين العرب، مدير دار محمد على للنشر بتونس فقال لـ«الشروق» إن هذا الموضوع يندرج ضمن التجاذبات بين الإخوة فى مصر والجزائر منذ «الحرب الكروية» الهزلية والمهزلة. و«موقفى من هذا هو موقف عبّرت عنه منظمتان عربيتان هما اتحاد الكتّاب العرب واتحاد الناشرين العرب فى بيانات لهما رفضا العدوى الكروية على الثقافة وعلى العلاقة بين الشعبين. ووقع التأكيد على رفض التسييس والتهويل». ودعا النورى فى حديثه معنا كل الأطراف السياسية والإدارية والإعلاميـــة إلى عدم ربط مصير الأمة بمسائل هامشية، وتمنى أن تصل إدارة معرض الجزائر إلى اتفاق مع المصريين يدعم مهنة النشر.
وعن سؤاله: هل وصلت إلى دار نشركم أى تعليمات أو قرارات لمنع عرض الكتب المصرية بجناح الدار فى صالون الجزائر؟ فقال النورى: لم تصل إلىّ هذه القرارات؛ إذ إن دار محمد على تساهم بعرض كتبها فقط فى إطار مشترك مع الناشرين التونسيين».
وفى الحقيقة لم يسكت عدد من المثقفين الجزائريين على قرار المنع هذا، حيث أشاروا إلى أن القرار غير موفق وغير مدروس، مؤكدين أنه لا يمكن إنكار دور مصر فى الأدب العربى، وذلك على الرغم من الأزمة التى نشبت بين البلدين مؤخرا نتيجة مباراة كرة قدم. فقالت الروائية الجزائرية فضيلة الفاروق إن موقفها من قرار استبعاد مشاركة الكتاب المصرى لن يعجب أحدا، وقالت «إننا شعب كسول وننتظر كل شىء من الدولة»، وأضافت «إن استمرار الرفض الشعبى لعودة العلاقات بين البلدين مؤشر حقد متنامٍ». لذا فقد اعتبرت الفاروق أن قرار منع دور النشر المصرية غير سليم، واصفة المقبلين على هذه المبادرة بـ«غير المثقفين».
55
ووصل الأمر إلى أن البعض انتقد إسماعيل أمازيان محافظ الصالون الدولى للكتاب من أنه تجاوز صلاحيات الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وتصريحاته كانت شخصية ولا تلزم أحدا غيره؛ لأنها لا تمثل وجهة نظر رسمية، كما أنها تعد احتقارا لمهنة النشر وتعديا على إرادة الناشرين الجزائريين الذين لا يعتبر محافظ الصالون وصيا عليهم.
والسؤال الذى يطرح نفسه فى النهاية: كيف قرر أمازيان منع الناشرين المصريين من المشاركة فى معرض الجزائر الدولى للكتاب فى دورته القادمة، فى الوقت الذى احتضنت فيه الجزائر مقابلة كروية جمعت بين «شبيبة القبائل» و«الأهلى»؟!