يمثل مسلسل «الجماعة» أحد الأعمال الدرامية التى خرجت من رحم شهر رمضان، مستفيدة من سيطرة الفراغ الذى يُسمِّر عقول الناس أمام شاشات التليفزيون، ومن إغداق الدولة على كل إنتاج فنى يخدم أهدافا سياسية مطلوبة، ومن الغموض وتضارب الآراء الذى أحاط بتاريخ الجماعة، وهى سمة لا ينفرد بها تاريخ الإخوان المسلمين، ولكنها تنصرف إلى حقبة من تاريخ مصر منذ ثورة يوليو حتى الآن. اختلفت الآراء بشأنها ولم تبذل أية جهود حقيقية للإفراج عن وثائقها وكتابة تاريخها بالموضوعية والأمانة اللازمة! وإن كان هذا لا يقدح من الجهد الذى بذله وحيد حامد وقدم من خلاله رؤيته الدرامية الخاصة للجماعة وتاريخها وتطورها وتأثيرها على الحياة السياسية المصرية.
ونظرا لما تمثله الجماعة فى الأوضاع السياسية الراهنة من شد وجذب، وما تثيره من توقعات ومخاوف، سارع الكثيرون إلى اتخاذ مواقف من المسلسل حتى قبل أن تنفرج حلقاته وتتوالى أحداثه.. تراوحت بين التسليم بالدور الدعوى الدينى الذى عرفت منه مصر أشكالا وألوانا كثيرة فى حقبة سادت العالم الإسلامى فيه اتجاهات صوفية ونزعات سلفية وحركات وطنية تدعو إلى الاستقلال.. وبين النظر إلى الجماعة على أنها بدأت دينية ثم انقلبت سياسية، لا تخفى أهدافها فى السعى إلى السلطة بأساليب عسكرية وامتثالا لمبدأ السمع والطاعة.
ونحن نرى أحداث المسلسل فى لحظة تاريخية معينة، يجرى التركيز فيها على الصراع بين الجماعة والدولة، دون ذكر أو إيضاح للخلفيات السياسية والاجتماعية والاقليمية، ودور الأحزاب الأخرى فى إشعال الصراع أو الإفادة منه. وبنفس القدر الذى كان دور «الجماعة» ينمو فيه لإقامة تنظيمات داخلية شبه عسكرية، كانت قبضة أجهزة الأمن تزداد رسوخا ووحشية. ويضعف الإيمان بالديمقراطية وبالدولة المدنية لدى الجميع.
وربما كان أفضل ما كشف عنه المسلسل إلى حد كبير، هو الكارثة التى سقط فيها جيل بأكمله. ومدى الحيرة والضياع الذى انتاب أجيال الشباب جيلا وراء جيل. فانقسم بين جيل الآباء بأفكارهم التقليدية وعقائدهم الجامدة، وجيل الموظفين وحراس السلطة والمدافعين عن بقاء النظام على ما هو عليه. تعطلت بذلك ملكات التفكير النقدى المستقل، والقدرة على التمرد وحرية الاختيار لدى أجيال بأكملها. فجرى اغتيال العملية الديمقراطية فى مهدها، وما زالت كسيحة عاجزة!
يقدم المسلسل نظرة سطحية إلى تاريخ «الجماعة». تتكرر فيه لقطات بعينها فى إلحاح ممل، ليؤكد أن الجماعة منذ نشأتها كانت وستظل كيانا ضد الدولة. يغذيها فكر دينى متطرف يتميز بالانتهازية. فهو مع القصر ضد الأحزاب الوطنية، ومع الإنجليز ضد الحركات الاستقلالية، ومع السلفية ضد التنوير ومع التخلف ضد التقدم!!
ولا يمكن لمسلسل جرى إعداده وتقديمه فى جو الانتخابات وترقب مصير قضية التوريث، وفى ظروف البحث عن نقطة بداية تاريخية للمشهد السياسى برمته أن يشكل حكما صائبا على الواقع الراهن فى مصر. ولا أجد شخصيا أى سبب يدعو «الجماعة» إلى اللجوء إلى القضاء لوقف عرض المسلسل بحجة أنه يسىء إلى شخوصها وتاريخها.
فالمسلسل يجرى خارج السياق الراهن. وهو ليس دراسة تاريخية. ومن حق كتاب الدراما أن يقدموا تصوراتهم المتباينة لفترة حافلة ومختلف عليها فى تاريخ مصر.
لا يهم كثيرا إذا كان عمل «الجماعة» قد ساعد على تحسين صورة الإخوان المسلمين أو الإساءة إليهم. ولكن ربما كان الأهم أن يكشف المسلسل عن الأسباب التى أدت إلى فشل التجربة الإسلامية الحديثة فى مصر، بينما نجحت فى دول أخرى مثل تركيا وماليزيا. أو أن يكشف عن الظروف السياسية والاجتماعية التى أدت إلى فشل الديمقراطية. وعجز الحياة السياسية فى مصر عن التطور والتحول من الجمود إلى الحركة والتقدم اعتبارا من الثورة وحتى الآن. هذه كلها حقائق تحتاج إلى مزيد من المصارحة وإلى معالجات درامية أكثر عمقا وشمولا!!