هل يبطُل الصوم بالعِلاج بالحَقْن ؟
الإجابة:
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
إن كان القصد من الحقن التداوي فإن الصائم لا يفطر بها في أظهر أقوال أهل العلم، أما إن كان الغرض منها التغذية فهي مفطرة؛ لأنها دخلت إلى الجوف عن طَريق الدم، وتتنافَى مع حِكمة الصّيام من الشُّعور بالجُوع والعطش للمَعاني التي تترتّب عليه.
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر ـ رئيس لجنة الفتوى بالأزهر ـ سابقا:
قال العلماء: حُقنة الشّرج مُفطرة لدخولها إلى الجوف من منفذٍ مفتوح واشترط مالك أنْ تصلَ إلى المعِدة أو الأمعاء، فإن لم تَصل فلا يبطُل بها الصّيام.
أما حُقَن العَضل والتي تحت الجلد فقد أفتى الشيخ محمد بخيت المطيعي في مايو 1919م بأنّها لا تُفطر بناءً على أنها لم تصلْ إلى الجوف من منفذٍ معتاد، وعلى فرض الوصول فإنها تصلُ من المسامِّ فقط وما تصلُ إليه ليس جوفًا ولا في حكم الجوف. "الفتاوى الإسلامية ـ المجلد الأول ص 89" والشيخ طه حبيب عضو المحكمة العليا الشرعيّة قال في فتواه المنشورة بمجلة الأزهر "المجلد الثالث ص 503" ما نصّه: ولا شكَّ في أن الحُقنة التي تُعطَى تحت الجلد أو في العضَلات أو في الوريد أو في قناة النُّخاع الشّوكي تصلُ إلى الجوف؛ لأنّها تصل عند إعطائِها إلى الدورة الدمويّة، وهذه توزِّعُها إلى أجزاءِ الجِسم كلٌّ بحَسَب طلبِه، وعلى هذا يتبيّن أن الحُقَن التي يُعطيها الأطِّبّاء للصائمين في نهار رمضان مُفسدة لصومِهم، وإذا لوحظ أن إعطاءَها قد يكون للتغذية وللتّقوية وإكثار الدم ولتخدير الأعصاب، فإن الأطِّبّاء أنفسهم يُقِرُّون أن هذه الحقن تمتصُّها الأوعية اللمفاويّة ومنها إلى الدورة الدمويّة ثُمّ توزِّعُها هذه الأخيرة إلى أجزاء الجسم كلٌّ بحسب طلبِه..إلى أن قال: هذا ما يُمكن أخذه من مذهب أبي حنيفة في هذا الموضوع.
أما مذهب المالكيّة والشافعيّة فهو ما يأتي: مذهب المالكية أن الصوم يفسد عندهم بوصول مائِع إلى الحلق من الفَم أو الأنف أو الأذن أو العَين، وإن لم يصلْ إلى المَعِدة. وبوصول جامِد إلى المعدة من منفذٍ عالٍ. فلو ابتلع الصائِم حَصاةً ووصلتْ إلى المعدة بواسطة الحُقنة إذا جعلت في منفذٍ واسع. أما إذا كان المنفذ غيرَ واسِع لا يمكن وصول شيء منه إلى المعدة فلا. ومن هذا يؤخَذ أن الحقنة تحت الجلد إن وصل الدواء المجعول فيها إلى المعدة أو الحلق أو الأمعاء أفطرَ الصائم، وإلا فلا، والمعدة عندهم ما تحت مُنْخَسَف الصّدر إلى السُّرّة.
ومذهب الشافعيّة يرى أن وصول عين الشيء قليلًا كان الواصل أو كثيرًا مأكولًا أو غير مأكول إلى الجوف من منفذٍ مفتوح كحلق ودماغ وباطن أذن وبطن وإحليل ومَثانة مُفسِد للصوم.
ومنه يُعلم حكم الحُقنة تحت الجلد ، وقد علمتَ أنها تصل إلى داخل الجوف قَطعًا.
هذه صورة من الآراء الاجتهاديّة في الحُقن، وقد رأيتَ أن حُقن الدواء يُمكن العمل فيها برأي الشيخ محمد بخيت، وهو عدم الإفطار لأنّها لم تدخل من منفذٍ مفتوح، وأن حُقن الغِذاء يمكن العمل فيها برأي الشيخ طه حبيب وهو الإفْطار لأنّها دخلت إلى الجوف عن طَريق الدم، وتتنافَى مع حِكمة الصّيام من الشُّعور بالجُوع والعطش للمَعاني التي تترتّب عليه.
والله أعلم.